موضوع: الالفاظ (التعبدی و التوصلی)
تاریخ جلسه : ١٤٠٤/١/٢٤
شماره جلسه : ۷۵
-
تحشید التّقاریر الأربع تجاه الدّلیل الأوّل
-
الجلسة ۱۴
-
الجلسة ۱۵
-
الجلسة ۱۶
-
الجلسة ۱۷
-
الجلسة ۱۸
-
الجلسة ۱۹
-
الجلسة ۲۰
-
الجلسة ۲۱
-
الجلسة ۲۲
-
الجلسة ۲۳
-
الجلسة ۲۴
-
الجلسة ۲۵
-
الجلسة ۲۶
-
الجلسة ۲۷
-
الجلسة ۲۸
-
الجلسة ۲۹
-
الجلسة ۳۰
-
الجلسة ۳۱
-
الجلسة ۳۲
-
الجلسة ۳۳
-
الجلسة ۳۴
-
الجلسة ۳۵
-
الجلسة ۳۶
-
الجلسة ۳۷
-
الجلسة ۳۸
-
الجلسة ۳۹
-
الجلسة ۴۰
-
الجلسة ۴۱
-
الجلسة ۴۲
-
الجلسة ۴۳
-
الجلسة ۴۴
-
الجلسة ۴۵
-
الجلسة ۴۶
-
الجلسة ۴۷
-
الجلسة ۴۸
-
الجلسة ۴۹
-
الجلسة ۵۰
-
الجلسة ۵۱
-
الجلسة ۵۲
-
الجلسة ۵۳
-
الجلسة ۵۴
-
الجلسة ۵۵
-
الجلسة ۵۶
-
الجلسة ۵۷
-
الجلسة ۵۸
-
الجلسة ۵۹
-
الجلسة ۶۰
-
الجلسة ۶۱
-
الجلسة ۶۲
-
الجلسة ۶۳
-
الجلسة ۶۴
-
الجلسة ۶۵
-
الجلسة ۶۶
-
الجلسة ۶۷
-
الجلسة ۶۸
-
الجلسة ۶۹
-
الجلسة ۷۰
-
الجلسة ۷۱
-
الجلسة ۷۲
-
الجلسة ۷۳
-
الجلسة ۷۴
-
الجلسة ۷۵
-
الجلسة ۷۶
-
الجلسة ۷۷
-
الجلسة ۷۸
-
الجلسة ۷۹
-
الجلسة ۸۰
-
الجلسة ۸۱
-
الجلسة ۸۲
-
الجلسة ۸۳
-
الجلسة ۸۴
-
الجلسة ۸۵
-
الجلسة ۸۶
-
الجلسة ۸۷
-
الجلسة ۸۸
-
الجلسة ۸۹
-
الجلسة ۹۰
-
الجلسة ۹۱
-
الجلسة ۹۲
-
الجلسة ۹۳
-
الجلسة ۹۴
-
الجلسة ۹۵
-
الجلسة ۹۶
-
الجلسة ۹۷
-
الجلسة ۹۸
-
الجلسة ۹۹
-
الجلسة ۱۰۰
-
الجلسة ۱۰۱
-
الجلسة ۱۰۲
-
الجلسة ۱۰۳
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ
تحشید التّقاریر الأربع تجاه الدّلیل الأوّل
حتّی الآن قد استَجمعنا فاستَخرجنا أربعَ أنواع التّقاریر حولَ الدّلیل الأوّل -أصالة التّعبّدیّة- حیث:
1. قد أسلفنا بیانات أجود التّقریرات و المحاضرات فإنّهما قد کَوَّنا الاستدلال من الصّغری و الکبری -حول تحصیل غرض المولی- ثمّ هاجمناهما مفصَّلاً.
2. و قد سرَد الشّیخ حسین الحلّيّ عن أستاذه النّائینيّ استدلالاً آخر بأنّ «حقیقة الأمر هو تحریک الإرادة فإذا انبَعث المکلَّف ففي الحقیقة سیَتحرَّک نتیجةَ نفس الأمر لا داعٍ آخر».
3. ثمّ أبدَع الشّیخ الحلّيّ تقریرَه الخاصّ معتقِداً بأنّ «طبیعة الأمر و إطلاقه هو الّذي یَستدعي تحریک الإرادة بحیث سیَستتبع هذا التّحریک عقلاً أن یُمتثل العمل بنفس داعي الأمر -لا داع آخر- کي تتوفَّر الإطاعة عقلیّاً، ففي ضوئه سیَتطلَّب طبع الأمر و إطلاقُه التّعبّدیّة -أي بنیّة هذا الأمر المولويّ- و ذلک نظیر:
Ø «العقود» حیث إنّ طبیعتها قد اقتَضَت اللّزوم -لا لفظها: «بعت و اشتریتُ»- و من ثَمّ أیضاً قد تولَّدت «أصالة لزوم العقود».
Ø «الشّروط» فإنّ اعتبارها منوط بألّا تُضادّ مقتضی العقد، فهذه المقتَضیات تَخُصّ ذاتَ العقود -لا مقتضی لفظه-.
4. و نهایة التّقریرات تَتمثَّل في کتاب الإشارات حیث قد امتازَ تماماً عن التّقاریب السّالفة فإنّه قد صاغَ استدلالَه بالنّظرة العرفیّة العقلائیّة -تجاه أصالة التّعبّد- قائلاً:
«في أنّ الأصل فى الأوامر أن يكون متعلّقها عبادةً لا معاملة، إشارة: الأصل فى الأوامر ايجاباً أو ندباً أن يكون متعلّقها عبادة لا معاملةً (أي توصّلیّةً) فإنّ صدق الامتثال فى الأوامر عرفاً لا يحصل إلّا بقصد الامتثال (و نیّة نفس الأمر، إذن لم یَتحدّث الکرباسيّ أبداً حول إدراک العقل لتحصیل الغرض و أضرابه کما زعمه المحقّقان النّائینيّ و الخوئيّ) فلو أمر المولى عبدَه بشيء فأتى به من باب تَشهّي نفسه من دون ملاحظة أمر مولاه أو أتى به بقصد أن يَقتل مولاه أو بَنى على مخالفته ثمّ نسي أمر مولاه و أتى به من دون أن يَخطر بباله أمره أو طلَب منه ذلك الشّيئ عدوُّ مولاه فأتى به لذلك لا من جهة أنّ مولاه أمره به، لا يُعدّ في شيء منها ممتثلاً قطعاً (نظراً للرّؤیة العرفیّة حیث لا تَحسَبه مطیعاً إذ لم یَمتثل بداعي الأمر) و أيضاً النّاسى و الغافل لا يكونان مأمورين كما يأتي و الشاعر للأمر لو لم يَعتبر فى امتثاله القصدَ كفاه إيقاع الفعل مطلقاً و لو كان مستهزئاً».[1]
فبالنّهایة لم یَستعرِض الکرباسيّ أبحاث: «تحقیق الغرض بواسطة الإدراک العقليّ و لا الصّغری و الکبری و لا طبیعة الأمر» نهائیّاً.
و لکنّا قد خَدشنا التّقریر الأوّل مُسبقاً، و قد حان الأوان کي نضربَ التّقاریر الثّلاث برُمّتها:
· أوّلاً: أساساً لو لاحظنا «العرف و العقل» معاً لشاهدناهما یَحکمان بالامتثال و الطّاعة حتّی لو لم یَنو داعي هذا الأمر، فإنّهما لا یَستوجبان الدّاعي حتماً بل یُجزیان «انطباق المأتيّ به علی المأمور به» فحسب و المفتَرَض لدی الشّکّ في عبادیّة عمل مّا أنّ الانطباق و إنجاز المُهمّة قد تحقّقا إذ لا نَمتلک دلیلاً عرفیّاً أو عقلیّاً علی إحضار نیّة امتثال هذا الأمر أو أيّ قید آخر، و لهذا لو شاءَ المولی عملاً زائداً لَتوجَّب إنباء المکلّف کأن یقیّد الماء بالبرودة، فبالتّالي حیث إنّا شاکّون في «صدق الامتثال بلا داعي الأمر» فسیُدرک العقل و العرف معاً بنفس مطابقة المأتيّ به مع المأمور به بلا مزید قید إطلاقاً.
· ثانیاً: إنّ مقالة الشّیخ الحلّيّ الماضیة: «عدم الاكتفاء بما يصدر عنه سهوا أو غفلة أو في حال النّوم بأنّ الأمر لمّا كان محرّكاً لارادة العبد نحو المأمور به كان مقتضى ذلك اعتبار كون الفعل صادراً بالإرادة (لنفس الأمر الصّادر) و عدم الاكتفاء بما يصدر سهواً أو غفلة.» فسَلیمة إجمالاً، فرغمَ أنّ العرف لا یعدّ الغافل و النّائم و... ممتثِلاً إلّا أنّه لو أنجز العمل بإرادته الجدّیّة و المُنتَبِهة-لا بداعي الأمر- لَأدرجه العقل و العرف معاً ضمن المُطیعین تماماً إذ المرتَکز العرفيّ لا یُطالب أزید من الإرادة الجدّیّة تجاه العمل، بینما الأعاظم الثّلاثة -الکرباسيّ و الحلّيّ و الحائريّ- قد خَلطوا بین مسألة الغفلة و مسألة لزوم القصد فزَعموا أنّه لو امتَثل عفَویّاً و غافلاً لَما عُدّ مطیعاً ثمّ استَنتجوا منه وجوبَ قصد امتثال نفس الأمر حتّی یُعدّ مطیعاً، و لکنّه استِنتاج متزلزل أکیداً.
· ثالثاً: مَن قال بأنّ محرّکیّة الأمر تَستدعي أن یُصدر الدّاعيَ لنفس الأمر؟ بل الأمر یُعدّ محرِّکاً بحتاً و لا یَستوجب قصد هذا الأمر بالتّحدید، ففي امتداده، لو نَفَّذ الواجبَ بداع مصلحته أو منفعته أو ثوابه أو... لَعُدّ مطیعاً و مُثاباً عرفاً و عقلاً -مضادّاً لصاحب الجواهر- بل و سیُثاب حتّی في التّوصّلیّات نظراً لصدق الطّاعة و امتثال المأمور به -مضادّاً للمحقّق الخوئيّ حیث قد استَنکر المثوبة للتّوصّليّ- و لکنّا لا ندّعي أنّ کلّ ما تَترتّب علیه المثوبة فهو عباديّ -زعماً من بعض- بل لون التّعبّدیّة یَشرُق من دلیل خارجيّ آخر -کالقربة و الخلوص-.
أجل لو امتَثل بغضاً و عناداً للمولی لَما صدقت الطّاعة أساساً إلا أنّ نقاشنا یحول حول الشّاکّ و الغافل.
· رابعاً: إنّ مقالته التّالیة: «إنّ الفعل بما أنّه مأمور به لا ينطبق على تلك الأفعال (الخالیة عن نیّة الأمر) غايته أنّها تكون «مسقطة للأمر» باعتبار كونها وافية بمصلحة المأمور به أو رافعة لموضوع الأمر و نحو ذلك من موجبات السّقوط» فیَعتقد أنّ «العمل الفارغ عن الدّاعي» رغمَ أنّه لا یُعدّ مأموراً به و لکنّه مسقِط و مُجز، بینما قد أعلنَ عمالِقة الفقهاء بأنّ الامتثال بقصد ترتّب الثّواب -لا بداعي الأمر- فسیُغنیه بتّاً إذ لو امتثَل «بلا داعي الأمر» فالعرف إمّا یراه مُمتثلاً أم لا، فلا یَتعقَّل العرف بأنّ «التّکلیف ساقط بلا امتثال المأمور به» فإنّه تهافت و تشوّش ساطع.
· خامساً: إنّ مقالته التّالیة: «يكفي في اعتبار كلّ منهما «نفس الأمر» فإنّه بصرف «طبعه» يقتضي تحريك العبد نحو إرادة الفعل، و مقتضى ذلك طبعاً هو تحرّك العبد نحو إرادة الفعل المذكور، و صيرورة إرادته ناشئة عن تحريك ذلك الأمر، كلّ ذلك يقتضيه السّير الطّبعي في هذه السّلسلة» مدحوض تماماً إذ العقل هو الّذي یَقتضي إنجاز الواجب مع الإرادة حتّی یَعتبره مُمتثِلاً -لا طبع الأمر اللّفظيّ- فإنّ مهمّة العقل هو أن یُفتِّش امتثاله الصّادر بإرادة جدّیّة قُربیّة حتّی یُجزیه، فلا یُفکِّک العقل ما بین الامتثال بداعي الأمر أم بغیره إذ لا دلیل یُلغي بقیّة الدّواعي و یُبطل عمل الغافل و السّاهي -لدی ظرف الشّکّ-.
· سادساً: لقد بالَغ الشّیخ الحلّيّ فحصَر مقالة الشّیخ الأعظم علی فکرته قائلاً: «و للشّيخ (الأعظم) قدّس سرّه[2] في أخذ الأجرة على المستحبّات عبارة لا يمكن تفسيرها إلا بما ذكرناه (لا یُعدّ مأموراً به و لکنّه مسقط) من أنّ الفعل المستحبّ المأتيّ به «بداعي الأجرة» لا يكون مصداقاً للمستحبّ، فإن كان عباديّاً بطلت الإجارة عليه و إلّا كانت الإجارة عليه صحيحة (و لهذا یَری الشّیخ بأنّ أجیر الحجّ الاستحبابيّ یَصنع صنیعَین: فعلٌ بعنوان المنوب عنه و بهذه الجهة سیُصبح مستحبّاً لتحقّق القربة، و فعلٌ لمتعلَّق الإجارة المرتبطة بعقد النّائب و عمله فلا یَتوفِّر الاستحباب إذ قد قَصد الأجرة)[3] و لکن لا التیامَ أبداً ما بین مقالته و مقالة الشّیخ فإنّ الشّیخ لم یَتفوَّه بأنّ العمل غیرُ مستحبّ و لکنّه مسقط.
· سابعاً: ثمّة ملاحظة مبنائیّة ضمن باب «حقیقة الإنشاء» حیث تَبنَّینا هناک أنّ صیغة الأمر قد وُضعت «للحکایة عن إرادة المُنشِأ»[4] فحقیقة الإنشاء هو إنباء عن الباطن و عن إرادته، ففي نسَقه لا یُعدّ طبعُ الأمرو إطلاقه محرِّکاً -کما زعمه الشّیخ الحلّيّ- بل الإبعاث و التّحریک و غیره من الآثار تُعدّ لازمة خارجیّة للأمر الإنشائيّ -لا أنّها تُعدّ الموضوع له-[5] و خاصّة علی نظریّة «الخطابات القانونیّة» فإنّ المولی لا یلحظ المخاطَب و المکلَّف بتاتاً کي یُحرّکه بل یُقنِّن قانونه التّشریعيّ -بأصل وجوب الصّلاة و...- فحسب، أجل إنّ التّحریک أو الانبعاث نابع من الخطاب الشّخصيّ الانحلاليّ إلی الأفراد -لا القانونيّ الکلّيّ-.
----------------------------
[1] کرباسيّ محمدابراهیم بن محمدحسن. إشارات الأصول. ص112. ایران.
[2] المكاسب ١٤٣:٢ و ما بعدها.
[3] و بین یدیک الآن نصّ بیانات الشّیخ الأعظم قائلاً: «قلت: القربة المانع اعتبارها عن تعلّق الإجارة، هي المعتبرة في نفس متعلّق الإجارة و إن اتّحد خارجاً مع ما لا يعتبر[3] فيه القربة ممّا لا يكون متعلّقاً للإجارة، فالصلاة الموجودة في الخارج على جهة النيابة فعل للنائب من حيث إنّها نيابة عن الغير، و بهذا الاعتبار ينقسم في حقّه إلى المباح و الراجح و المرجوح، و فعل للمنوب عنه بعد نيابة النائب يعني تنزيل نفسه منزلة المنوب عنه في هذه الأفعال و بهذا الاعتبار يترتّب عليه الآثار الدنيوية و الأُخروية لفعل المنوب عنه الذي لم يشترط فيه المباشرة، و الإجارة تتعلّق به بالاعتبار الأوّل، و التقرّب بالاعتبار الثاني» (المکاسب (انصاری - کنگره). Vol. 2. ص145 قم، المؤتمر العالمي بمناسبة الذکری المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأعظم الأنصاري. الأمانة العامة)
[4] حیث قد ناقَش الأستاذ المعظَّم آنذاک مع کافّة الأعلام فاصطَفی تحقیقةَ المحقّقینِ الحائريّ و الرّشتيّ و هي الحكایة عن الحقائق الباطنیّة، مضادّاً لصاحب الکفایة -أي الطّلب الإنشائيّ- و للمحقّق النّائینيّ -أي النّسبة الإیقاعیّة- و للمحقّق العراقيّ -أي النّسبة الإرسالیّة- و للسّید الحكیم -أي النّسبة التّكوینیّة- و للمحقّق البروجرديّ -النّسبة الطّلبیّة- و للمحقّق الخمینيّ -لإیجاد البعث و الإغراء-.
[5] و لکن نعلِّق علیه بأنّ المشهور قالوا بأنّ موضوع له الأمر هو البعث و التّحریک ثمّ لازمه هو الإخبار عن إرادة المولی و لکن الأستاذ قد عکس ذلک معتقِداً بأنّ الموضوع له هو الإخبار عن الإرادة ثمّ لازمه هو البعث و التّحریک، و لهذا قد تنازعوا و عکسوا اللّازم مکان الملزوم کما بیّنّا، فیَبدو أنّ المتبادِر من صیغة الأمر هو البعث و التّحریک وفقاً للمشهور و النّسبة البعثیّة ثمّ استدعی ذلک الإخبار عن إرادة المولی له.
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ
تحشید التّقاریر الأربع تجاه الدّلیل الأوّل
حتّی الآن قد استَجمعنا فاستَخرجنا أربعَ أنواع التّقاریر حولَ الدّلیل الأوّل -أصالة التّعبّدیّة- حیث:
1. قد أسلفنا بیانات أجود التّقریرات و المحاضرات فإنّهما قد کَوَّنا الاستدلال من الصّغری و الکبری -حول تحصیل غرض المولی- ثمّ هاجمناهما مفصَّلاً.
2. و قد سرَد الشّیخ حسین الحلّيّ عن أستاذه النّائینيّ استدلالاً آخر بأنّ «حقیقة الأمر هو تحریک الإرادة فإذا انبَعث المکلَّف ففي الحقیقة سیَتحرَّک نتیجةَ نفس الأمر لا داعٍ آخر».
3. ثمّ أبدَع الشّیخ الحلّيّ تقریرَه الخاصّ معتقِداً بأنّ «طبیعة الأمر و إطلاقه هو الّذي یَستدعي تحریک الإرادة بحیث سیَستتبع هذا التّحریک عقلاً أن یُمتثل العمل بنفس داعي الأمر -لا داع آخر- کي تتوفَّر الإطاعة عقلیّاً، ففي ضوئه سیَتطلَّب طبع الأمر و إطلاقُه التّعبّدیّة -أي بنیّة هذا الأمر المولويّ- و ذلک نظیر:
Ø «العقود» حیث إنّ طبیعتها قد اقتَضَت اللّزوم -لا لفظها: «بعت و اشتریتُ»- و من ثَمّ أیضاً قد تولَّدت «أصالة لزوم العقود».
Ø «الشّروط» فإنّ اعتبارها منوط بألّا تُضادّ مقتضی العقد، فهذه المقتَضیات تَخُصّ ذاتَ العقود -لا مقتضی لفظه-.
4. و نهایة التّقریرات تَتمثَّل في کتاب الإشارات حیث قد امتازَ تماماً عن التّقاریب السّالفة فإنّه قد صاغَ استدلالَه بالنّظرة العرفیّة العقلائیّة -تجاه أصالة التّعبّد- قائلاً:
«في أنّ الأصل فى الأوامر أن يكون متعلّقها عبادةً لا معاملة، إشارة: الأصل فى الأوامر ايجاباً أو ندباً أن يكون متعلّقها عبادة لا معاملةً (أي توصّلیّةً) فإنّ صدق الامتثال فى الأوامر عرفاً لا يحصل إلّا بقصد الامتثال (و نیّة نفس الأمر، إذن لم یَتحدّث الکرباسيّ أبداً حول إدراک العقل لتحصیل الغرض و أضرابه کما زعمه المحقّقان النّائینيّ و الخوئيّ) فلو أمر المولى عبدَه بشيء فأتى به من باب تَشهّي نفسه من دون ملاحظة أمر مولاه أو أتى به بقصد أن يَقتل مولاه أو بَنى على مخالفته ثمّ نسي أمر مولاه و أتى به من دون أن يَخطر بباله أمره أو طلَب منه ذلك الشّيئ عدوُّ مولاه فأتى به لذلك لا من جهة أنّ مولاه أمره به، لا يُعدّ في شيء منها ممتثلاً قطعاً (نظراً للرّؤیة العرفیّة حیث لا تَحسَبه مطیعاً إذ لم یَمتثل بداعي الأمر) و أيضاً النّاسى و الغافل لا يكونان مأمورين كما يأتي و الشاعر للأمر لو لم يَعتبر فى امتثاله القصدَ كفاه إيقاع الفعل مطلقاً و لو كان مستهزئاً».[1]
فبالنّهایة لم یَستعرِض الکرباسيّ أبحاث: «تحقیق الغرض بواسطة الإدراک العقليّ و لا الصّغری و الکبری و لا طبیعة الأمر» نهائیّاً.
و لکنّا قد خَدشنا التّقریر الأوّل مُسبقاً، و قد حان الأوان کي نضربَ التّقاریر الثّلاث برُمّتها:
· أوّلاً: أساساً لو لاحظنا «العرف و العقل» معاً لشاهدناهما یَحکمان بالامتثال و الطّاعة حتّی لو لم یَنو داعي هذا الأمر، فإنّهما لا یَستوجبان الدّاعي حتماً بل یُجزیان «انطباق المأتيّ به علی المأمور به» فحسب و المفتَرَض لدی الشّکّ في عبادیّة عمل مّا أنّ الانطباق و إنجاز المُهمّة قد تحقّقا إذ لا نَمتلک دلیلاً عرفیّاً أو عقلیّاً علی إحضار نیّة امتثال هذا الأمر أو أيّ قید آخر، و لهذا لو شاءَ المولی عملاً زائداً لَتوجَّب إنباء المکلّف کأن یقیّد الماء بالبرودة، فبالتّالي حیث إنّا شاکّون في «صدق الامتثال بلا داعي الأمر» فسیُدرک العقل و العرف معاً بنفس مطابقة المأتيّ به مع المأمور به بلا مزید قید إطلاقاً.
· ثانیاً: إنّ مقالة الشّیخ الحلّيّ الماضیة: «عدم الاكتفاء بما يصدر عنه سهوا أو غفلة أو في حال النّوم بأنّ الأمر لمّا كان محرّكاً لارادة العبد نحو المأمور به كان مقتضى ذلك اعتبار كون الفعل صادراً بالإرادة (لنفس الأمر الصّادر) و عدم الاكتفاء بما يصدر سهواً أو غفلة.» فسَلیمة إجمالاً، فرغمَ أنّ العرف لا یعدّ الغافل و النّائم و... ممتثِلاً إلّا أنّه لو أنجز العمل بإرادته الجدّیّة و المُنتَبِهة-لا بداعي الأمر- لَأدرجه العقل و العرف معاً ضمن المُطیعین تماماً إذ المرتَکز العرفيّ لا یُطالب أزید من الإرادة الجدّیّة تجاه العمل، بینما الأعاظم الثّلاثة -الکرباسيّ و الحلّيّ و الحائريّ- قد خَلطوا بین مسألة الغفلة و مسألة لزوم القصد فزَعموا أنّه لو امتَثل عفَویّاً و غافلاً لَما عُدّ مطیعاً ثمّ استَنتجوا منه وجوبَ قصد امتثال نفس الأمر حتّی یُعدّ مطیعاً، و لکنّه استِنتاج متزلزل أکیداً.
· ثالثاً: مَن قال بأنّ محرّکیّة الأمر تَستدعي أن یُصدر الدّاعيَ لنفس الأمر؟ بل الأمر یُعدّ محرِّکاً بحتاً و لا یَستوجب قصد هذا الأمر بالتّحدید، ففي امتداده، لو نَفَّذ الواجبَ بداع مصلحته أو منفعته أو ثوابه أو... لَعُدّ مطیعاً و مُثاباً عرفاً و عقلاً -مضادّاً لصاحب الجواهر- بل و سیُثاب حتّی في التّوصّلیّات نظراً لصدق الطّاعة و امتثال المأمور به -مضادّاً للمحقّق الخوئيّ حیث قد استَنکر المثوبة للتّوصّليّ- و لکنّا لا ندّعي أنّ کلّ ما تَترتّب
تَترتّب علیه المثوبة فهو عباديّ -زعماً من بعض- بل لون التّعبّدیّة یَشرُق من دلیل خارجيّ آخر -کالقربة و الخلوص-.
أجل لو امتَثل بغضاً و عناداً للمولی لَما صدقت الطّاعة أساساً إلا أنّ نقاشنا یحول حول الشّاکّ و الغافل.
· رابعاً: إنّ مقالته التّالیة: «إنّ الفعل بما أنّه مأمور به لا ينطبق على تلك الأفعال (الخالیة عن نیّة الأمر) غايته أنّها تكون «مسقطة للأمر» باعتبار كونها وافية بمصلحة المأمور به أو رافعة لموضوع الأمر و نحو ذلك من موجبات السّقوط» فیَعتقد أنّ «العمل الفارغ عن الدّاعي» رغمَ أنّه لا یُعدّ مأموراً به و لکنّه مسقِط و مُجز، بینما قد أعلنَ عمالِقة الفقهاء بأنّ الامتثال بقصد ترتّب الثّواب -لا بداعي الأمر- فسیُغنیه بتّاً إذ لو امتثَل «بلا داعي الأمر» فالعرف إمّا یراه مُمتثلاً أم لا، فلا یَتعقَّل العرف بأنّ «التّکلیف ساقط بلا امتثال المأمور به» فإنّه تهافت و تشوّش ساطع.
· خامساً: إنّ مقالته التّالیة: «يكفي في اعتبار كلّ منهما «نفس الأمر» فإنّه بصرف «طبعه» يقتضي تحريك العبد نحو إرادة الفعل، و مقتضى ذلك طبعاً هو تحرّك العبد نحو إرادة الفعل المذكور، و صيرورة إرادته ناشئة عن تحريك ذلك الأمر، كلّ ذلك يقتضيه السّير الطّبعي في هذه السّلسلة» مدحوض تماماً إذ العقل هو الّذي یَقتضي إنجاز الواجب مع الإرادة حتّی یَعتبره مُمتثِلاً -لا طبع الأمر اللّفظيّ- فإنّ مهمّة العقل هو أن یُفتِّش امتثاله الصّادر بإرادة جدّیّة قُربیّة حتّی یُجزیه، فلا یُفکِّک العقل ما بین الامتثال بداعي الأمر أم بغیره إذ لا دلیل یُلغي بقیّة الدّواعي و یُبطل عمل الغافل و السّاهي -لدی ظرف الشّکّ-.
· سادساً: لقد بالَغ الشّیخ الحلّيّ فحصَر مقالة الشّیخ الأعظم علی فکرته قائلاً: «و للشّيخ (الأعظم) قدّس سرّه[2] في أخذ الأجرة على المستحبّات عبارة لا يمكن تفسيرها إلا بما ذكرناه (لا یُعدّ مأموراً به و لکنّه مسقط) من أنّ الفعل المستحبّ المأتيّ به «بداعي الأجرة» لا يكون مصداقاً للمستحبّ، فإن كان عباديّاً بطلت الإجارة عليه و إلّا كانت الإجارة عليه صحيحة (و لهذا یَری الشّیخ بأنّ أجیر الحجّ الاستحبابيّ یَصنع صنیعَین: فعلٌ بعنوان المنوب عنه و بهذه الجهة سیُصبح مستحبّاً لتحقّق القربة، و فعلٌ لمتعلَّق الإجارة المرتبطة بعقد النّائب و عمله فلا یَتوفِّر الاستحباب إذ قد قَصد الأجرة)[3] و لکن لا التیامَ أبداً ما بین مقالته و مقالة الشّیخ فإنّ الشّیخ لم یَتفوَّه بأنّ العمل غیرُ مستحبّ و لکنّه مسقط.
· سابعاً: ثمّة ملاحظة مبنائیّة ضمن باب «حقیقة الإنشاء» حیث تَبنَّینا هناک أنّ صیغة الأمر قد وُضعت «للحکایة عن إرادة المُنشِأ»[4] فحقیقة الإنشاء هو إنباء عن الباطن و عن إرادته، ففي نسَقه لا یُعدّ طبعُ الأمرو إطلاقه محرِّکاً -کما زعمه الشّیخ الحلّيّ- بل الإبعاث و التّحریک و غیره من الآثار تُعدّ لازمة خارجیّة للأمر الإنشائيّ -لا أنّها تُعدّ الموضوع له-[5] و خاصّة علی نظریّة «الخطابات القانونیّة» فإنّ المولی لا یلحظ المخاطَب و المکلَّف بتاتاً کي یُحرّکه بل یُقنِّن قانونه التّشریعيّ -بأصل وجوب الصّلاة و...- فحسب، أجل إنّ التّحریک أو الانبعاث نابع من الخطاب الشّخصيّ الانحلاليّ إلی الأفراد -لا القانونيّ الکلّيّ-.
----------------------------
[1] کرباسيّ محمدابراهیم بن محمدحسن. إشارات الأصول. ص112. ایران.
[2] المكاسب ١٤٣:٢ و ما بعدها.
[3] و بین یدیک الآن نصّ بیانات الشّیخ الأعظم قائلاً: «قلت: القربة المانع اعتبارها عن تعلّق الإجارة، هي المعتبرة في نفس متعلّق الإجارة و إن اتّحد خارجاً مع ما لا يعتبر[3] فيه القربة ممّا لا يكون متعلّقاً للإجارة، فالصلاة الموجودة في الخارج على جهة النيابة فعل للنائب من حيث إنّها نيابة عن الغير، و بهذا الاعتبار ينقسم في حقّه إلى المباح و الراجح و المرجوح، و فعل للمنوب عنه بعد نيابة النائب يعني تنزيل نفسه منزلة المنوب عنه في هذه الأفعال و بهذا الاعتبار يترتّب عليه الآثار الدنيوية و الأُخروية لفعل المنوب عنه الذي لم يشترط فيه المباشرة، و الإجارة تتعلّق به بالاعتبار الأوّل، و التقرّب بالاعتبار الثاني» (المکاسب (انصاری - کنگره). Vol. 2. ص145 قم، المؤتمر العالمي بمناسبة الذکری المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأعظم الأنصاري. الأمانة العامة)
[4] حیث قد ناقَش الأستاذ المعظَّم آنذاک مع کافّة الأعلام فاصطَفی تحقیقةَ المحقّقینِ الحائريّ و الرّشتيّ و هي الحكایة عن الحقائق الباطنیّة، مضادّاً لصاحب الکفایة -أي الطّلب الإنشائيّ- و للمحقّق النّائینيّ -أي النّسبة الإیقاعیّة- و للمحقّق العراقيّ -أي النّسبة الإرسالیّة- و للسّید الحكیم -أي النّسبة التّكوینیّة- و للمحقّق البروجرديّ -النّسبة الطّلبیّة- و للمحقّق الخمینيّ -لإیجاد البعث و الإغراء-.
[5] و لکن نعلِّق علیه بأنّ المشهور قالوا بأنّ موضوع له الأمر هو البعث و التّحریک ثمّ لازمه هو الإخبار عن إرادة المولی و لکن الأستاذ قد عکس ذلک معتقِداً بأنّ الموضوع له هو الإخبار عن الإرادة ثمّ لازمه هو البعث و التّحریک، و لهذا قد تنازعوا و عکسوا اللّازم مکان الملزوم کما بیّنّا، فیَبدو أنّ المتبادِر من صیغة الأمر هو البعث و التّحریک وفقاً للمشهور و النّسبة البعثیّة ثمّ استدعی ذلک الإخبار عن إرادة المولی له.
نظری ثبت نشده است .