عربی

درس بعد

التعبدی و التوصلی

درس قبل

التعبدی و التوصلی

درس بعد

درس قبل

موضوع: الالفاظ (التعبدی و التوصلی)


تاریخ جلسه : ١٤٠٣/١١/٢٣


شماره جلسه : ۶۶

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • التَّسایُر الکلاميّ مع المحقّق الاصفهانيّ

الجلسات الاخرى
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ

التَّسایُر الکلاميّ مع المحقّق الاصفهانيّ

لقد استَخلَص المحقّق الاصفهانيّ مقالتَه بأنّ: «الإطلاق المقابل للتّقييد (بنحو اللّابشرط القسميّ) تارةً من قبيل العدم و الملكة، كما فيما كان (التّقیید) ممكناً (عقلاً کتقیید الإنسان بالکتابة) و أخرى من قبيل السّلب و الإيجاب، كما فيما كان (الإطلاق) ضروريّاً (لأجل استحالة التّقیید کما في تقیید الصّلاة بالقصد).

ثمّ نازَع المحقّقُ الاصفهانيّ مُتوهِّماً مُعتقِداً بأنّ «الإطلاق عنصر وجوديّ لا عدميّ» فصارَعَه قائلاً:[1]

1. «لا يقال: الإطلاق هنا ليس بمعنى عدم التّقييد (بل یُعدَّ المطلق عنصراً وجودیّاً) بل بمعنى الإرسال، فهو تعيّن (إطلاقيّ و وجوديّ لا عدميّ وفقاً لتعریف القُدامی کصاحب المعالم بأنّ الإطلاق: هو ما دلّ علی معنی شائع في جنسه» بحیث لو خالفَه لأصبَح مجازاً) في قبال تعيُّن التّقييد، و ليس (الإطلاق) كالعدم بالإضافة إلى الملكة حتّى يَستحيل باستحالة التقييد (بل کلاهما وجودیّان فلا استحالة إذن).

Ø لأنا نقول (أوّلاً): ليس الإطلاق (و السّریان) مأخوذاً في موضوع الحكم (مفهوماً حتّی یُصبح عنصراً وجودیّاً و مجازاً لو تَقیَّد المطلَق) بل (مأخوذاً) لتسرية الحكم (قهراً و خارجاً) إلى تمام أفراد موضوعه، فالموضوع نفس الطّبيعة الغير المتقيّدة بشيء (فَهَویَّة الإطلاق سیَنطبق خارجاً علی حصصه بطبیعة حاله نظیر انطباق «العالم» علی کافّة حصصه من دون أن یؤخَذ إطلاقه في معناه).

Ø (ثانیاً): مع أنه من حيث الاستحالة -أيضاً- كذلك (أي ستَجري الاستحالة علی المطلق الوجوديّ أیضاً) لأنّ الإرسال حتى من هذه الجهة المستحيلة يوجب جميعَ المحاذير المتقدمة (بأنّه لا قابلیّة للحاظ القید فبالتّالي لا قابلیّة للإطلاق الوجوديّ أیضاً).

2. فإن قلت: كما أنّ إطلاق «الهيئة» ذاتاً (أي الّتي قد اعتَبر المولی فیها إطلاقاً لحاظيّاً) في مسألة شمول كلّ حكم للعالم و الجاهل (هو) دليلٌ على الشّمول (فرغمَ استحالة اتّخاذ «العلم في الحکم» و لکنّ المشهور قد اتَّخذ هناک الإطلاقَ الذّاتيَّ للهیئة، فأجرَوُا الأحکامَ علی العالم و الجاهل معاً) فليَكن إطلاق «المادة» ذاتاً هنا (أي ذات الصّلاة المطلَقة) دليلاً على عموم المتعلَّق (فرغمَ أنّه قد استحال الإطلاق اللّحاظيّ و الوجوديّ في الصّلاة و لکنّها تَمتَلک إطلاقاً ذاتيّاً فیَکفي هذا لأصال التّوصّلیّة) فلا حاجة إلى الإطلاق النّظري و التّوسعة اللّحاظيّة (کما توفَّر إطلاق الهیئة هناک) بل يكفي الإطلاق الذاتيّ (للمادّة) و ان كان منشؤه (الإطلاق الذّاتيّ) عدمَ إمكان التّقييد النّظري و التّعميم اللّحاظيّ (من قِبل المولی).

Ø قلت: (ثمّة فارق بین مسألة «قیدیّة العلم» و بین «قیدیّة القصد» فإنّ) نفس امتناع توقّف «الحكم» على العلم أو (علی) الظَّنّ به أو الشّكّ فيه، كامتناع دخل تعلّق إحدى (هذه) الصّفات به (الحکم) في ترتّب الغرض الباعث على الحكم (فهي لا تَخلُق الغرضَ النّهائيّ، فهذا الامتناع) دليلٌ على عدم دخل إحدى الصّفات في مرتبة من المراتب (أي العلم و الظَّنّ و... لا تَتدخَّل في غرض المولی و لا في حُکمه أساساً) لا إطلاقُ الهيئة ذاتاً (فلا یُعدّ دلیلاً کما زعمه المتوهِّم) فنفس البرهان (أي امتناع تدخّل تلک الصّفات في الحکم و الغرض) الجاري في جميع المراتب (حکماً و غرضاً) دافعٌ للتّردّد البدويّ الحاصل للغافل (فالعلم و الجهل لا یَتدخَّلان في الحکم و الغرض، و لهذا لا نتمسَّک بالإطلاق الذّاتيّ أبداً).

Ø بخلاف ما نحن فيه (أي اتّخاذ القصد) فإنّ عدم تقييد متعلّق الأمر و الإرادة (لفظاً) معلوم بالبرهان (للاستحالة) و أمّا دخله (القصد) في الغرض (النّهائيّ) و في الخروج عن عهدة الأمر، فلا (یدلّ هذا البرهان علی ارتباط «القصد» بالغرض) و الإطلاقُ النّظريّ (اللّحاظيّ) القابل لدفع الشّكّ ممتنع (کما أوضحناه للتَّوّ) و عدم التقييد مع تسليم امتناعه (عقلاً) لا يكشف عن عدم دخله فيما ذُكر (أي الغرض النّهائيّ بل ربما تَدخّل في غرضه و لکن قد استحال علی المولی تبیین ذاک القید) و لا برهان -كما في تلك المسألة- على امتناع دخل داع إلهيّ في الغرض.

و قد رافَقنا مسبقاً المحقّقَ الاصفهانيّ أیضاً بأنّ الإطلاق الذّاتيّ الضّروريّ لا یُجدي لنا شمولیّةً أبداً إذ لا یَکشف عن المراد الجديّ للابدّیَّته، فعلی أثره لا تُستخرَج منه «أصالة التّوصّلیّة» أیضاً، و لهذا إنّ الإطلاق اللّحاظيّ الاعتباريّ هو الّذي سیَفصَح عن مراده الأصیل فحسب.

و حیث إنّ المحقّق الاصفهانيّ لم یَستجلِب دلیلاً علی هذا التّفکیک فیَبدو أنّه قد أحالَه إلی الوِجدان و الوضوح التّامّ، و لکنّا سنُنقِّح مقالته العمیقة عبرَ النِّقاط التّالیة:

· إنّ النّقطة المشترَکة بین استحالة «قیدیّة العلم و الجهل والظّنّ» و بین استحالة «قیدیّة القصد» أنّ کلتَیهما مستحیلتان لدی التّقیید اللّفظيّ إمّا لأجل تقدّم الشّیئ علی نفسه أو کتأخّر المتقدِّم و تقدّم المتأخّر، فکافّة الاستحالات المطروحة ضمن «استحالة قیدیّة العلم و الجهل» فعّالة و ساریة إلی مبحث «قیدیّة القصد» بینما کافّة براهین استحالة «قصد الأمر» لا تَتأتّی في مبحث «قیدیّة العلم و الجهل» کاستحالة داعویّة الشّیئ إلی نفسه حیث تَخُصّ باب قصد الأمر لا تقیید الحکم بالعلم -فهذه تعلیقة إشکالیّة تجاه المحقّق الاصفهانيّ-.

· إلا أنّ المبحثَین یَنفکّان عن بعضهما:

Ø بأنّ تلک الصّفات لا تَتدخَّل في الحکم و لا في الغرض، بینما قصد الأمر قد تَرابَط مع الغرض النّهائيّ حتماً.

Ø و أنّ کافّة براهین استحالة «قصد الأمر» لا تَتأتّی في مبحث «قیدیّة العلم و الجهل» کاستحالة داعویّة الشّیئ إلی نفسه فإنّها تَخُصّ باب «قصد الأمر» فحسب لا بمَبحث تقیید الحکم بالعلم.

3. فإن قلت: إطلاق الهيئة عرفاً (و هو الشّقّ الثّالث قِبالاً للإطلاق الذّاتيّ و للّحاظيّ) يدلّ على أنّ المتعلَّق (أي مطلق الصّلاة) تمامُ المقصود، و هو متعلَّق الغرض (النّهائيّ) فيُفيد التّوصّليّة، فحمله على التّعبّديّة -و أنّ الأمر تمهيد و توطئةٌ لتحقيق موضوع الغرض- خلافُ الظّاهر (بل تمام المقصود هو المتعلَّق بغضّ البصر عن الأمر).

Ø قلت: هذا و إن نُسب إلى بعض الأجلّة[2] (قدّه) لكنّه (أصل التّوصّلیّة) مُبتَنٍ على تخيّل أخصِّيّة الغرض، و حيث عرفت[3] أنّ ذات الفعل (بأجزائه الدّاخلیّة) وافٍ بالغرض، و أنّ الشّرائط دخيلة في ترتُّب الغرض (و فعلیّته) على ما يقوم به، تَعرِفُ عدمَ أخصّيّة الغرض، و عدم كون الأمر تمهيداً و توطئةً[4].

فعُصارة إجابته أنّا لو افترضنا «الشّرائطَ» -کصدور الأمر- دخیلةً في «أصل الغرض» لَحقَّت مسألة «أخصّیّة الغرض» کما زعمه العالم الجلیل حیث قد تَصوَّر: بأنّ «الفعل» هو تمام الغرض فأنتَج التّوصّلیّة و لکن لو انضَمّ إلیه أمر لأنتَج التّعبّديّة و حیث قد شککنا فیهما فسنَبني علی تمامیّة الفعل للغرض فتَتولَّد أصالة التّوصّلیّة.

بینما قد أسلفنا أنّ «الشّرائط» -کإصدار الأمر- تَتدخَّل في «تفعیل الغرض» لا أصله لأنّها خارجة عن کیان الغرض أساساً فلا تُولِّد التّعبّدیّة و لهذا لا یُصبح الغرض أخصَّ.

فبالنّهایة قد انصَدَّت طرُقُ الإطلاق الذّاتيّ و الهیئة و العرفيّ تماماً فإنّها لا تَکتَشِف لنا عن أنّ مراده الجديّ و الأصالةَ الکلّیّةَ هي التّوصّلیّة.

1. فإن قلت: إطلاقُ الهيئة يَقتضي التّعبّديّة لأنّ الوجوب التّعبديّ هو الوجوب «لا على تقدير خاصّ» بخلاف الوجوب التّوصّليّ فإنّه وجوب على «تقدير عدم الدّاعي» (و القصد) من قِبَل نفس المكلَّف (فلو شککنا فیهما لَحملنا علی التّعبّدیّة).

Ø قلت: الايجاب الحقيقيّ (للأمر) جعلُ ما يُمكن أن يكون داعياً (للمکلَّف فإنّ الأمر هو الّذي یَخلُق إمکانَ الدّاعویّة و یَلحظ دعوةً و تقدیرةً خاصّة للمکلَّف سواء في التّوصّليّ أم التّعبّديّ) لا جعل الدّاعي «بالفعل» حتّى يَستحيل (الأمر) مع وجود الدّاعي إلى الفعل من المكلّف، و لذا صحّ تكليف العاصي و إن كان له الدّاعي (الشّأنيُّ) إلى خلافه.»

----------------------
[1] اصفهانی محمد حسین. نهایة الدرایة في شرح الکفایة. Vol. 1. 340-341 بیروت - لبنان: مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث.
[2] هو المحقّق السيّد محمّد الفشاركي رحمه اللّه. ولد سنة ١٢٥٣ ه‍ في قرية «فشارك» من توابع اصفهان. سافر الى العراق و هو ابن إحدى عشرة سنة و جاور الحائر الشريف و كفَّله هناك أخوه العالم السيد إبراهيم المعروف بالكبير، فكمَّل العربية و المنطق ثم اشتغل بالفقه و أصوله على عدّة من علمائه كالعالم الشهير السّيّد المجاهد الطباطبائيّ و الشيخ الأردكاني. ثم هاجر الى النجف الأشرف حدود سنة ١٢٨٦ ه‍. و حضر بحث السّيّد المجدّد الشيرازي و سافر معه الى سامراء و توطَّنها معه، ثمّ بعد وفاة السيّد المجدّد هاجر بأهله و أولاده الى الغري الشريف، فشرع في التدريس بحيث أكبّ على الاستفادة منه الأفاضل کالشّیخ عبد الکریم الحائريّ (1355ق) ثمّ توفّاه الأجل في شهر ذي القعدة الحرام سنة ١٣١٦ ه‍ و دفن في إحدى حجرات الصحن الشريف من جهة باب السوق الكبير (مقدمة وقاية الاذهان: ١٤٣ و مقدمة الرسائل الفشاركية.)
[3] و ذلك في التعليقة: ١٧٤.
[4] قولنا: (و عدم كون الأمر تمهيدا.. الخ). مع أن جعله بعنوان التمهيد لا يجدي في التوصّل إلى غرضه، و هو إتيان الفعل بداعي لأمر، أو الإنشاء السابق لم يكن بداعي التحريك، بل بداعي التمهيد، و أما إذا كان التمهيد داعيا للداعي، فهو و إن كان مجديا، إلا أنه ليس خلاف الظاهر؛ إذ المقدار المسلّم هو كون الإنشاء بداعي جعل الداعي، لا كونه منبعثا عن غير داعي التمهيد، بل دائما يكون جعل الداعي بداع آخر غير جعل الداعي قطعا. فتدبّره، فإنه حقيق به. (منه عفي عنه).


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ

التَّسایُر الکلاميّ مع المحقّق الاصفهانيّ

لقد استَخلَص المحقّق الاصفهانيّ مقالتَه بأنّ: «الإطلاق المقابل للتّقييد (بنحو اللّابشرط القسميّ) تارةً من قبيل العدم و الملكة، كما فيما كان (التّقیید) ممكناً (عقلاً کتقیید الإنسان بالکتابة) و أخرى من قبيل السّلب و الإيجاب، كما فيما كان (الإطلاق) ضروريّاً (لأجل استحالة التّقیید کما في تقیید الصّلاة بالقصد).

ثمّ نازَع المحقّقُ الاصفهانيّ مُتوهِّماً مُعتقِداً بأنّ «الإطلاق عنصر وجوديّ لا عدميّ» فصارَعَه قائلاً:[1]

1. «لا يقال: الإطلاق هنا ليس بمعنى عدم التّقييد (بل یُعدَّ المطلق عنصراً وجودیّاً) بل بمعنى الإرسال، فهو تعيّن (إطلاقيّ و وجوديّ لا عدميّ وفقاً لتعریف القُدامی کصاحب المعالم بأنّ الإطلاق: هو ما دلّ علی معنی شائع في جنسه» بحیث لو خالفَه لأصبَح مجازاً) في قبال تعيُّن التّقييد، و ليس (الإطلاق) كالعدم بالإضافة إلى الملكة حتّى يَستحيل باستحالة التقييد (بل کلاهما وجودیّان فلا استحالة إذن).

Ø لأنا نقول (أوّلاً): ليس الإطلاق (و السّریان) مأخوذاً في موضوع الحكم (مفهوماً حتّی یُصبح عنصراً وجودیّاً و مجازاً لو تَقیَّد المطلَق) بل (مأخوذاً) لتسرية الحكم (قهراً و خارجاً) إلى تمام أفراد موضوعه، فالموضوع نفس الطّبيعة الغير المتقيّدة بشيء (فَهَویَّة الإطلاق سیَنطبق خارجاً علی حصصه بطبیعة حاله نظیر انطباق «العالم» علی کافّة حصصه من دون أن یؤخَذ إطلاقه في معناه).

Ø (ثانیاً): مع أنه من حيث الاستحالة -أيضاً- كذلك (أي ستَجري الاستحالة علی المطلق الوجوديّ أیضاً) لأنّ الإرسال حتى من هذه الجهة المستحيلة يوجب جميعَ المحاذير المتقدمة (بأنّه لا قابلیّة للحاظ القید فبالتّالي لا قابلیّة للإطلاق الوجوديّ أیضاً).

2. فإن قلت: كما أنّ إطلاق «الهيئة» ذاتاً (أي الّتي قد اعتَبر المولی فیها إطلاقاً لحاظيّاً) في مسألة شمول كلّ حكم للعالم و الجاهل (هو) دليلٌ على الشّمول (فرغمَ استحالة اتّخاذ «العلم في الحکم» و لکنّ المشهور قد اتَّخذ هناک الإطلاقَ الذّاتيَّ للهیئة، فأجرَوُا الأحکامَ علی العالم و الجاهل معاً) فليَكن إطلاق «المادة» ذاتاً هنا (أي ذات الصّلاة المطلَقة) دليلاً على عموم المتعلَّق (فرغمَ أنّه قد استحال الإطلاق اللّحاظيّ و الوجوديّ في الصّلاة و لکنّها تَمتَلک إطلاقاً ذاتيّاً فیَکفي هذا لأصال التّوصّلیّة) فلا حاجة إلى الإطلاق النّظري و التّوسعة اللّحاظيّة (کما توفَّر إطلاق الهیئة هناک) بل يكفي الإطلاق الذاتيّ (للمادّة) و ان كان منشؤه (الإطلاق الذّاتيّ) عدمَ إمكان التّقييد النّظري و التّعميم اللّحاظيّ (من قِبل المولی).

Ø قلت: (ثمّة فارق بین مسألة «قیدیّة العلم» و بین «قیدیّة القصد» فإنّ) نفس امتناع توقّف «الحكم» على العلم أو (علی) الظَّنّ به أو الشّكّ فيه، كامتناع دخل تعلّق إحدى (هذه) الصّفات به (الحکم) في ترتّب الغرض الباعث على الحكم (فهي لا تَخلُق الغرضَ النّهائيّ، فهذا الامتناع) دليلٌ على عدم دخل إحدى الصّفات في مرتبة من المراتب (أي العلم و الظَّنّ و... لا تَتدخَّل في غرض المولی و لا في حُکمه أساساً) لا إطلاقُ الهيئة ذاتاً (فلا یُعدّ دلیلاً کما زعمه المتوهِّم) فنفس البرهان (أي امتناع تدخّل تلک الصّفات في الحکم و الغرض) الجاري في جميع المراتب (حکماً و غرضاً) دافعٌ للتّردّد البدويّ الحاصل للغافل (فالعلم و الجهل لا یَتدخَّلان في الحکم و الغرض، و لهذا لا نتمسَّک بالإطلاق الذّاتيّ أبداً).

Ø بخلاف ما نحن فيه (أي اتّخاذ القصد) فإنّ عدم تقييد متعلّق الأمر و الإرادة (لفظاً) معلوم بالبرهان (للاستحالة) و أمّا دخله (القصد) في الغرض (النّهائيّ) و في الخروج عن عهدة الأمر، فلا (یدلّ هذا البرهان علی ارتباط «القصد» بالغرض) و الإطلاقُ النّظريّ (اللّحاظيّ) القابل لدفع الشّكّ ممتنع (کما أوضحناه للتَّوّ) و عدم التقييد مع تسليم امتناعه (عقلاً) لا يكشف عن عدم دخله فيما ذُكر (أي الغرض النّهائيّ بل ربما تَدخّل في غرضه و لکن قد استحال علی المولی تبیین ذاک القید) و لا برهان -كما في تلك المسألة- على امتناع دخل داع إلهيّ في الغرض.

و قد رافَقنا مسبقاً المحقّقَ الاصفهانيّ أیضاً بأنّ الإطلاق الذّاتيّ الضّروريّ لا یُجدي لنا شمولیّةً أبداً إذ لا یَکشف عن المراد الجديّ للابدّیَّته، فعلی أثره لا تُستخرَج منه «أصالة التّوصّلیّة» أیضاً، و لهذا إنّ الإطلاق اللّحاظيّ الاعتباريّ هو الّذي سیَفصَح عن مراده الأصیل فحسب.

و حیث إنّ المحقّق الاصفهانيّ لم یَستجلِب دلیلاً علی هذا التّفکیک فیَبدو أنّه قد أحالَه إلی الوِجدان و الوضوح التّامّ، و لکنّا سنُنقِّح مقالته العمیقة عبرَ النِّقاط التّالیة:

· إنّ النّقطة المشترَکة بین استحالة «قیدیّة العلم و الجهل والظّنّ» و بین

استحالة «قیدیّة القصد» أنّ کلتَیهما مستحیلتان لدی التّقیید اللّفظيّ إمّا لأجل تقدّم الشّیئ علی نفسه أو کتأخّر المتقدِّم و تقدّم المتأخّر، فکافّة الاستحالات المطروحة ضمن «استحالة قیدیّة العلم و الجهل» فعّالة و ساریة إلی مبحث «قیدیّة القصد» بینما کافّة براهین استحالة «قصد الأمر» لا تَتأتّی في مبحث «قیدیّة العلم و الجهل» کاستحالة داعویّة الشّیئ إلی نفسه حیث تَخُصّ باب قصد الأمر لا تقیید الحکم بالعلم -فهذه تعلیقة إشکالیّة تجاه المحقّق الاصفهانيّ-.

· إلا أنّ المبحثَین یَنفکّان عن بعضهما:

Ø بأنّ تلک الصّفات لا تَتدخَّل في الحکم و لا في الغرض، بینما قصد الأمر قد تَرابَط مع الغرض النّهائيّ حتماً.

Ø و أنّ کافّة براهین استحالة «قصد الأمر» لا تَتأتّی في مبحث «قیدیّة العلم و الجهل» کاستحالة داعویّة الشّیئ إلی نفسه فإنّها تَخُصّ باب «قصد الأمر» فحسب لا بمَبحث تقیید الحکم بالعلم.

3. فإن قلت: إطلاق الهيئة عرفاً (و هو الشّقّ الثّالث قِبالاً للإطلاق الذّاتيّ و للّحاظيّ) يدلّ على أنّ المتعلَّق (أي مطلق الصّلاة) تمامُ المقصود، و هو متعلَّق الغرض (النّهائيّ) فيُفيد التّوصّليّة، فحمله على التّعبّديّة -و أنّ الأمر تمهيد و توطئةٌ لتحقيق موضوع الغرض- خلافُ الظّاهر (بل تمام المقصود هو المتعلَّق بغضّ البصر عن الأمر).

Ø قلت: هذا و إن نُسب إلى بعض الأجلّة[2] (قدّه) لكنّه (أصل التّوصّلیّة) مُبتَنٍ على تخيّل أخصِّيّة الغرض، و حيث عرفت[3] أنّ ذات الفعل (بأجزائه الدّاخلیّة) وافٍ بالغرض، و أنّ الشّرائط دخيلة في ترتُّب الغرض (و فعلیّته) على ما يقوم به، تَعرِفُ عدمَ أخصّيّة الغرض، و عدم كون الأمر تمهيداً و توطئةً[4].

فعُصارة إجابته أنّا لو افترضنا «الشّرائطَ» -کصدور الأمر- دخیلةً في «أصل الغرض» لَحقَّت مسألة «أخصّیّة الغرض» کما زعمه العالم الجلیل حیث قد تَصوَّر: بأنّ «الفعل» هو تمام الغرض فأنتَج التّوصّلیّة و لکن لو انضَمّ إلیه أمر لأنتَج التّعبّديّة و حیث قد شککنا فیهما فسنَبني علی تمامیّة الفعل للغرض فتَتولَّد أصالة التّوصّلیّة.

بینما قد أسلفنا أنّ «الشّرائط» -کإصدار الأمر- تَتدخَّل في «تفعیل الغرض» لا أصله لأنّها خارجة عن کیان الغرض أساساً فلا تُولِّد التّعبّدیّة و لهذا لا یُصبح الغرض أخصَّ.

فبالنّهایة قد انصَدَّت طرُقُ الإطلاق الذّاتيّ و الهیئة و العرفيّ تماماً فإنّها لا تَکتَشِف لنا عن أنّ مراده الجديّ و الأصالةَ الکلّیّةَ هي التّوصّلیّة.

1. فإن قلت: إطلاقُ الهيئة يَقتضي التّعبّديّة لأنّ الوجوب التّعبديّ هو الوجوب «لا على تقدير خاصّ» بخلاف الوجوب التّوصّليّ فإنّه وجوب على «تقدير عدم الدّاعي» (و القصد) من قِبَل نفس المكلَّف (فلو شککنا فیهما لَحملنا علی التّعبّدیّة).

Ø قلت: الايجاب الحقيقيّ (للأمر) جعلُ ما يُمكن أن يكون داعياً (للمکلَّف فإنّ الأمر هو الّذي یَخلُق إمکانَ الدّاعویّة و یَلحظ دعوةً و تقدیرةً خاصّة للمکلَّف سواء في التّوصّليّ أم التّعبّديّ) لا جعل الدّاعي «بالفعل» حتّى يَستحيل (الأمر) مع وجود الدّاعي إلى الفعل من المكلّف، و لذا صحّ تكليف العاصي و إن كان له الدّاعي (الشّأنيُّ) إلى خلافه.»

----------------------
[1] اصفهانی محمد حسین. نهایة الدرایة في شرح الکفایة. Vol. 1. 340-341 بیروت - لبنان: مؤسسة آل البیت (علیهم السلام) لإحیاء التراث.
[2] هو المحقّق السيّد محمّد الفشاركي رحمه اللّه. ولد سنة ١٢٥٣ ه‍ في قرية «فشارك» من توابع اصفهان. سافر الى العراق و هو ابن إحدى عشرة سنة و جاور الحائر الشريف و كفَّله هناك أخوه العالم السيد إبراهيم المعروف بالكبير، فكمَّل العربية و المنطق ثم اشتغل بالفقه و أصوله على عدّة من علمائه كالعالم الشهير السّيّد المجاهد الطباطبائيّ و الشيخ الأردكاني. ثم هاجر الى النجف الأشرف حدود سنة ١٢٨٦ ه‍. و حضر بحث السّيّد المجدّد الشيرازي و سافر معه الى سامراء و توطَّنها معه، ثمّ بعد وفاة السيّد المجدّد هاجر بأهله و أولاده الى الغري الشريف، فشرع في التدريس بحيث أكبّ على الاستفادة منه الأفاضل کالشّیخ عبد الکریم الحائريّ (1355ق) ثمّ توفّاه الأجل في شهر ذي القعدة الحرام سنة ١٣١٦ ه‍ و دفن في إحدى حجرات الصحن الشريف من جهة باب السوق الكبير (مقدمة وقاية الاذهان: ١٤٣ و مقدمة الرسائل الفشاركية.)
[3] و ذلك في التعليقة: ١٧٤.
[4] قولنا: (و عدم كون الأمر تمهيدا.. الخ). مع أن جعله بعنوان التمهيد لا يجدي في التوصّل إلى غرضه، و هو إتيان الفعل بداعي لأمر، أو الإنشاء السابق لم يكن بداعي التحريك، بل بداعي التمهيد، و أما إذا كان التمهيد داعيا للداعي، فهو و إن كان مجديا، إلا أنه ليس خلاف الظاهر؛ إذ المقدار المسلّم هو كون الإنشاء بداعي جعل الداعي، لا كونه منبعثا عن غير داعي التمهيد، بل دائما يكون جعل الداعي بداع آخر غير جعل الداعي قطعا. فتدبّره، فإنه حقيق به. (منه عفي عنه).


الملصقات :


نظری ثبت نشده است .