عربی

درس بعد

المواسعة و المضایقة

درس قبل

المواسعة و المضایقة

درس بعد

درس قبل

موضوع: صلاة قضاء (المواسعه و المضایقه)


تاریخ جلسه : ١٤٠٣/١١/٢٣


شماره جلسه : ۶۶

PDF درس صوت درس
خلاصة الدرس
  • خامسة الدّلائل اللّامعة تجاه الرّأي بالمواسعَة

الجلسات الاخرى
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ

خامسة الدّلائل اللّامعة تجاه الرّأي بالمواسعَة

لقد اعتصَم صاحب الجواهر بقاعدة الحرج لتَحکیم المواسعة قائلاً:

«و إلى سهولة الملّة و سَماحتها و نفي العسر و الحرج فيها، و خصوصاً مثلَ هذه المضايقة:

1. الموجِبة لمعرفة الأوقات (الدّقیقة) و ضبطِ الدّقائق و السّاعات (تماماً و إلا لَارتَکب محرَّماً و لَبطَل العبادة فیها).

2. و تحريمِ سائر المضادّات (فکلُّها تَتسبَّب بالحرج و المشاقّ) و إن كانت أذكاراً و دعَوات إلا ما تقوم به الحياة و تمُسّ إليه الضّرورات المحتاج أيضاً إلى معرفة أقلّ المُجزِي منه المورِثة وساوسَ في صدور ذوي الدّيانات (فلا یَطمئنّ بالقدر الضّروريّ).

3. بل لعلّ أقلَّ من ذلك (الاحتیاطات و التّجنُّبات) مناف (أیضاً) للُّطف المراد منه بُعدُ العبد عن المعصية و قربُه إلى الطّاعات (و الرّحمة) الّذي أوجبه على نفسه ربُّ السّماوات الرَّؤف الرّحيم و العليم الحكيم (فالمضایقة تُحارِب الرّحمةَ الإلهیّة تماماً)

4. بل هو مؤدٍّ في الحقيقة إلى تضيّع أعظم مصلحة حالِه لأهوَنِ مصلحة فائتة، و صيرورة الأداء قضاءً و الحاضر فائتاً (لو انشَغل بفوائته جَمعاءَ) خصوصاً في مثل وقت العشاءين بالنّسبة إلى أغلب النّاس سيَّما مثلَ النّساء و الضّعفاء من الرّجال.

5. و أنّى وَسِعَه عقولُهم لمثل هذه التّكاليف (المستَعجَلة و الصّعبة) خصوصاً فيما إذا لم يكن الفوات بعمد و تقصير إلى غير ذلك ممّا يقصُر القلم عن إحصائه (المَشِقّات) الّذي ببعضه مع ملاحظة شدّة كرَم الخالق و رأفته و إتقانه و حكمته، يَحصُل القطع لمن له أدنى نظر بعدم إلزامه بالأقلّ.

6. سيَّما مع عدم نُدرة هذا الفوات، بل هو الغالب في أكثر الناس سيَّما في أوائل البلوغ، فإنّ قصورهم أو تقصيرهم عن معرفة سائر ما يُعتبر في العبادة سيَّما النساء منهم و الأعوام، (هو) من أكمل الواضحات.» [1]

بینما الشّیخ الأعظم قد انتَقَد تطبیقَ «قاعدة الحرَج» لإثبات المواسعة مُجیباً علی أستاذه بعدّة أجوبة قائلاً:

«الخامس من حجج القائلين بالمواسعة: لزوم الحرج العظيم، الّذي يشهد بنفيه الأدلّة الثّلاثة، بل الأربعة.

1. و يَرِد عليه: أنّ‌ الحرج لا يَلزم إلّا مع كثرة الفوائت (الشّاسعة أرقامُها، بینما المرءُ لا یَنحرِح في الأعداد القلائل) و حينئذ فإن كان لزومه (الحرج) على وجه يرتفع به التّكليف حُكم بمقتضاه (في ذاک المورد فحسب لا کلیّاً) كما يُحكم القائل بالمواسعة عند ظنّ‌ طروِّ العجز (الأداء) و كما يحكم بسقوط القيام في الصّلاة عند تعسّره (فحسب) فلا يُتعدَّى إلى صورة عدم لزوم الحرج، لقلّة الفوائت.

و ليس المقام (في المضایقة) ممّا يَقضي لزومَ الحرج بتشريع المواسعة في جميع الأفراد (أو أغلبهم نوعاً) حتّى مع عدم الحرج (الشّخصيّ) بأن يكون لزوم الحرج مؤسِّساً للحكم (الکلّيّ) لأنّ‌ ذلك إنّما هو فيما كان العسرُ في أغلب الموارد (نوعیّاً) فيَتبعها النّادر، كما في تشريع القصر في السّفر للحرج (النّوعيّ الغالبيّ) و تشريع طهارة الحديد، و غير ذلك، و ليس كذلك ما نحن فيه (أي الحرج لدی المضایقة) قطعاً.[2]

فاندفع ما يقال: إنّ‌ غرض المستدِلِّ (بقاعدة الحرج)‌ أنّ‌ (هنا أیضاً قد ثَبَتَت) المشقّة النّوعيّة الثّابتة في فوريّة القضاء (و لهذا سوف) يَقتضي -بحسب الحِكمة المرعيّة في الشريعة السّمحة السّهلة- نفيُها مطلقاً، و إن انتَفت المشقّة الشّخصيّة في ثبوتها في بعض الأحيان (فقد أجَبنا بأنّ المضایقة لا تُنجِب الحرج النّوعيّ دوماً)»

2. هذا مع إمكان معارَضَته (ضابط الحرج) بأنّ‌ حِكمة عدم وقوع المكلّف في تَهلكة بقائه مشغولَ الذّمّة بالفوائت بعدَ الموت، اقتَضَت إيجابَ المبادرَة إليها إذ قَلَّما اتَّفق للمكلّف أن يكون عليه فوائت كثيرة لم يُبادر إليها في السّعة إلاّ و قد مات مشغولَ الذّمّة بها أو بأكثرها (و حیث إنّ قاعدة الحرج تُعدّ امتنانیّةً و رافعة للتّکلیف فبالتّالي ستَتضارَب الامتنانیّة مع اشتغال ذمّة المکلَّف).

3. و كيف كان، فهذا الدّليل -في الضّعف– كسابقه (أي الإجماع) إلاّ أنّه (الحرج) يَنفي التّرتيب (الحرجيّ) أيضاً و لو لم يَنشأ (الحرج) من المضايقة، لأنّ‌ مقتضاه وجوبُ الاشتغال بالفوائت تحصيلاً للتّرتيب بين الحاضرة و بين ما يمكن تقديمه عليها من الفوائت، بل لو لم يشتغل بها أيضاً كان في نفس تأخير الحاضرة حرج من جهة ضبط أواخر الأوقات بالسّاعات و العلامات إلاّ (فلا حرج) إذا قلنا بأنّ‌ الواجب تأخير الحاضرة عن مجموع الفوائت، لا عن كلّ‌ فائتة (واحدة) حتّى يجب الاشتغال بها مهما أمكَن، فافهم.»

4. «و الحاصل: أنّ‌ لزوم العسر على من كَثُر عليه الفوائت مسلَّم (فیَندرِج ضمن امتنانیّة القاعدة) سواء قلنا بالمضايقة أم قلنا بلزوم التّرتيب من دون المضايقة، لكنّ‌ الحكم بنفيهما (المضایقة و التّرتیب) عموماً حتّى في مورد عدم الحرج (فهو) يحتاج إلى دليل آخرَ، و التّمسّك بالإجماع المركّب (بأنّ القضاء إمّا فوريّ و إما موسَّع فهذا أیضاً) في غير موضعه، لأنّ‌ الفصل (أي التّفصیل بإحداث رأي ثالث) في الأحكام التّكليفيّة بين موارد الحرج و غيرها، لكثرة وقوعه (الحرج) في الشّريعة لا يُعلم مخالفته (التّفصیل) في هذه المسألة لقول الإمام عليه السّلام (فهنا لم نُحرِز التّخلُّف عن الإجماع المرکَّب و رأي المعصوم فأمکننا أن نَعتقِد بالتّفصیل بین النّماذج الحرجیّة و غیرها) و إن كان القطع به (إحداث رأي ثالث) في بعض الموارد ممكناً[3] إلاّ أنّ‌ غلبة الفصل بين الموردين (الحرجيّ و غیره) في المسائل (الفقهیّة) ممّا يمنع القطع غالباً (بأنّه یُضادّ مقالة المعصوم) فافهم، فإنّه نافع في كثير من الموارد (و هذه صَناعة اجتهادیّة مُستجدَّة من قِبَل الشّیخ الأعظم حیث قد استَثنَی مورداً من «عدم مخالفة الإجماع المرکَّب»).

و هذا خلاصة أدلّة القول بالمواسعة، و قد عرفت ضعف أكثرها، مع عدم الدلالة على الترتيب خصوصا فيما عدا فوائت اليوم.»[4]

و أمّا مطمَح نظرنا تجاه «قاعدة الحرج» فهو أنّا:

1. لو افتَرضنا الحرج شخصیّاً و جزئیّاً لَحقَّ استشکال الشّیخ الأعظم -علی إثبات «کلّیّة المواسعة»- فإنّه لا یُسجِّل حقانیّةَ المواسعة لکافّة العَرصات.

2. بینما قد سجَّلنا مسبقاً بأنّ الشّارع ضمن نَماذج عدیدة قد أجری «قاعدة لا حرج» علی أغلبیّة النّاس نظیر بوّابة الطّهارات و النّجاسات حیث قد لاحَظ حرجیّة جُلِّهم، و کنَموذَج آخر هي المضایقة حیث تُحرِج المکلَّفین أیضاً و تُزعِجُهم غالباً.

Ø و حیث قد اعتَبرنا الطّابَع العامّ للنّاس فوقتَئذ لا تَتفاوَت کثرةُ الفوائت و نُدرتها، إذ الشّارع قد صَبَّ الحکمَ الامتنانيّ علی منظومة المُتدیِّنین فألغَی عنهم الأعسار و المتاعِب الشّاقّة للمصالح العامّة، کما مارَس هذه العملیّة أیضاً لدی تشریع سائر الأحکام ملاحِظاً الطّابَع العامّ لدی نوعیّة الأنام.[5]

Ø بل حتّی لو تنزَّلنا و اعتقَدنا بقلّة الفوائت لدی معظَم النّاس و لکنّ أساس عنوان «الفوریّة أو المضایقة» مندمجةٌ مع العسریّة و الحرجیّة حتّی في فائتة واحدة لعامّة النّاس، فإنّهم منشغلون دوماً باحتیاجاتهم الیومیّة الضّروریّة فالفوریّة ستُضیِّق علیهم الوضعیّة نوعیّاً، و مضادّاً لمسلک التّسهیل و التّرخیص.

Ø بل و ستَتشدَّد مکانة «النّظرة النّوعیّة للشّارع» وفقاً لمسلک «الخطابات القانونیّة» حیث لا یَلحظ المولی سلوکیّاتِ المکلَّفین الجزئیّة و کیفیّة ممارستهم لمجعولات الشّریعة و مدی تحقّق ملاکاتها الشّخصیّة بل یَری رُؤیةً فوقانیّة کلّیّة لمصالح الواجبات و ملاکاتها الواسعات -کالنّهي عن الفحشاء و ازدیاد التّقوی و...- فحینئذ سیَزرعُها في نفس «الجَعل و القانون الکلّيّ» -نظیر مصلحة أنّ الطّلاق بید الرّجل و إن تَفوَّقت علیه زوجتُه خارجاً- لا في العمل المجعول.

-----------------------
[1] جواهر الکلام (ط. القدیمة)، جلد: ۱۳، صفحه: ۵۱، ، بیروت - لبنان، دار إحياء التراث العربي
[2] في «ص» و «ش» و «ع» و «ن»: و غير ذلك ممّا نحن فيه قطعا.
[3] في «د»: بدل «ممكنا» «منها».
[4] انصاری مرتضی بن محمدامین. رسائل فقهیة (انصاری) (رسالة في المواسعة و المضایقة). ص328 قم، مجمع الفکر الإسلامي.
[5] و قد أطنَب الأستاذ المبجَّل أبعاد هذا الموضوع ضمن کتابه «قاعدة المیسور» بقلم هذا التّلمیذ المقرِّر قائلاً: «فإنّ الشّارع بالتّحديد قد عَمَد عمداً إلی التّعابير الشّاسعَة كي يفهِمنا مبناه الرّئيسيَّ في أفُق «منهجَة الأحكام و طابَعِها العامّ» كاتّخاذ الميسور و التَّسلیس بين الأنام، فبالتّالی قد تَوصّلنا إلی نَمط جعله تماماً من دون أن نَستَنتِج غَرضَه و مقصده في الشّريعة کي نَتعدّی لسائر الفروعات، كلا، إذ الفقيه منذُ البداية لا يركز علی انتزاع الملاكات و أسرار الشّريعة بل أساساً إنّ مُهِمَّة الفقيه تَنحصِر بأن يحلِّل مختلفَ أبعاد النّصوص التي تُضيئ له الضَّوابطَ العامّة و طريقةَ التّقنين الشَّرعي نظير نقاشِنا الحالی حيث إنّ الشّارع لدي مسألة الدَّوران بين الميسور و المعسور قد صرَخ علناً بمنهجيته الرّاسخة ضمنَ مختلف الآيات قائلاً: «يُرِيدُ اللّٰهُ‌ بِكُمُ‌ الیسْرَ وَ لاٰ يُرِيدُ بِكُمُ‌ الْعُسْرَ». «وَ اللّٰهُ‌ يُرِيدُ أَنْ‌ يَتُوبَ‌ عَلیكُمْ‌ ... يُرِيدُ اللّٰهُ‌ أَنْ‌ يُخَفِّفَ‌ عَنْكُمْ و خُلِقَ الإنسِانُ ضَعِيفَاً‌». «مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ‌ لیجْعَلَ‌ عَلیكُمْ‌ مِنْ‌ حَرَجٍ‌ وَ لٰكِنْ‌ يُرِيدُ لیطَهِّرَكُمْ‌ وَ لیتِمَّ‌ نِعْمَتَهُ‌ عَلیكُمْ‌ لَعَلَّكُمْ‌ تَشْكُرُونَ‌. ». «مَا جَعَلَ عَلیكم فِي الدِّينِ مِن حَرَجٍ مِلَّةَ أبِيكم إِبراهِيمَ» حيث قد نُظِّم وزانُ هذه الآيات علی نَسَق موَحَّد فإنّ إطلاقها -بقرينة حذف متعلَّقات الیسر و التَّخفيف و الحرج- يعرِب للفقيه عن «هوية تَقنين الشَّارع و طريقة جعله» تجاهَ مختلف الأحكام كضابط عامٍّ ممّا يعني أنّ الشّارع المقدَّس قد استَهدَف إنشاءَ الأعمال الیسيرة و اتّخاذَ المَنهجة السّلیسة.
بل نظراً «لاتّحاد وِزان» هذه الآيات معاً، نَعتقد بأنّ تعبير القرآن «بالیسر» يعدّ عبارة أخری عن عنوان «التّخفيف» إذ روح هذه الكلمات القُدسية في مراده تعالی الجديِّ هو عنصر موحَّد غيرَ أنّ الألفاظ مُلوَّنةٌ ضمن مقام الاستعمال فأساساً لا خصوصية «للیسر» سوی أنّه يشير إلی استراتِيجِية «التّسهيل و التّيسير» والتي قد تَبنّاها الشّارع كمِحور رئيسيّ في مُنظَّمَة المجعولات الشّرعية علی الإطلاق.
فإنّا بعدَما استَسقَينا -من هذه الآية- حجيةَ «قاعدة الميسور» المُخفِّفة للعباد أيضاً، فقد ارتَقَينا و اغتَرَفنا «ديدنةَ الشّارع في تشريع نظام الأحكام» من دون أن نَستكشف أسرار الشّريعة و مقاصدَها العَريقة فنؤسِّسَ الفقهَ علی أساسها، كلا.»


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحيمْ
الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينْ وَصَلَى الله عَلَىٰ سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينْ

خامسة الدّلائل اللّامعة تجاه الرّأي بالمواسعَة

لقد اعتصَم صاحب الجواهر بقاعدة الحرج لتَحکیم المواسعة قائلاً:

«و إلى سهولة الملّة و سَماحتها و نفي العسر و الحرج فيها، و خصوصاً مثلَ هذه المضايقة:

1. الموجِبة لمعرفة الأوقات (الدّقیقة) و ضبطِ الدّقائق و السّاعات (تماماً و إلا لَارتَکب محرَّماً و لَبطَل العبادة فیها).

2. و تحريمِ سائر المضادّات (فکلُّها تَتسبَّب بالحرج و المشاقّ) و إن كانت أذكاراً و دعَوات إلا ما تقوم به الحياة و تمُسّ إليه الضّرورات المحتاج أيضاً إلى معرفة أقلّ المُجزِي منه المورِثة وساوسَ في صدور ذوي الدّيانات (فلا یَطمئنّ بالقدر الضّروريّ).

3. بل لعلّ أقلَّ من ذلك (الاحتیاطات و التّجنُّبات) مناف (أیضاً) للُّطف المراد منه بُعدُ العبد عن المعصية و قربُه إلى الطّاعات (و الرّحمة) الّذي أوجبه على نفسه ربُّ السّماوات الرَّؤف الرّحيم و العليم الحكيم (فالمضایقة تُحارِب الرّحمةَ الإلهیّة تماماً)

4. بل هو مؤدٍّ في الحقيقة إلى تضيّع أعظم مصلحة حالِه لأهوَنِ مصلحة فائتة، و صيرورة الأداء قضاءً و الحاضر فائتاً (لو انشَغل بفوائته جَمعاءَ) خصوصاً في مثل وقت العشاءين بالنّسبة إلى أغلب النّاس سيَّما مثلَ النّساء و الضّعفاء من الرّجال.

5. و أنّى وَسِعَه عقولُهم لمثل هذه التّكاليف (المستَعجَلة و الصّعبة) خصوصاً فيما إذا لم يكن الفوات بعمد و تقصير إلى غير ذلك ممّا يقصُر القلم عن إحصائه (المَشِقّات) الّذي ببعضه مع ملاحظة شدّة كرَم الخالق و رأفته و إتقانه و حكمته، يَحصُل القطع لمن له أدنى نظر بعدم إلزامه بالأقلّ.

6. سيَّما مع عدم نُدرة هذا الفوات، بل هو الغالب في أكثر الناس سيَّما في أوائل البلوغ، فإنّ قصورهم أو تقصيرهم عن معرفة سائر ما يُعتبر في العبادة سيَّما النساء منهم و الأعوام، (هو) من أكمل الواضحات.» [1]

بینما الشّیخ الأعظم قد انتَقَد تطبیقَ «قاعدة الحرَج» لإثبات المواسعة مُجیباً علی أستاذه بعدّة أجوبة قائلاً:

«الخامس من حجج القائلين بالمواسعة: لزوم الحرج العظيم، الّذي يشهد بنفيه الأدلّة الثّلاثة، بل الأربعة.

1. و يَرِد عليه: أنّ‌ الحرج لا يَلزم إلّا مع كثرة الفوائت (الشّاسعة أرقامُها، بینما المرءُ لا یَنحرِح في الأعداد القلائل) و حينئذ فإن كان لزومه (الحرج) على وجه يرتفع به التّكليف حُكم بمقتضاه (في ذاک المورد فحسب لا کلیّاً) كما يُحكم القائل بالمواسعة عند ظنّ‌ طروِّ العجز (الأداء) و كما يحكم بسقوط القيام في الصّلاة عند تعسّره (فحسب) فلا يُتعدَّى إلى صورة عدم لزوم الحرج، لقلّة الفوائت.

و ليس المقام (في المضایقة) ممّا يَقضي لزومَ الحرج بتشريع المواسعة في جميع الأفراد (أو أغلبهم نوعاً) حتّى مع عدم الحرج (الشّخصيّ) بأن يكون لزوم الحرج مؤسِّساً للحكم (الکلّيّ) لأنّ‌ ذلك إنّما هو فيما كان العسرُ في أغلب الموارد (نوعیّاً) فيَتبعها النّادر، كما في تشريع القصر في السّفر للحرج (النّوعيّ الغالبيّ) و تشريع طهارة الحديد، و غير ذلك، و ليس كذلك ما نحن فيه (أي الحرج لدی المضایقة) قطعاً.[2]

فاندفع ما يقال: إنّ‌ غرض المستدِلِّ (بقاعدة الحرج)‌ أنّ‌ (هنا أیضاً قد ثَبَتَت) المشقّة النّوعيّة الثّابتة في فوريّة القضاء (و لهذا سوف) يَقتضي -بحسب الحِكمة المرعيّة في الشريعة السّمحة السّهلة- نفيُها مطلقاً، و إن انتَفت المشقّة الشّخصيّة في ثبوتها في بعض الأحيان (فقد أجَبنا بأنّ المضایقة لا تُنجِب الحرج النّوعيّ دوماً)»

2. هذا مع إمكان معارَضَته (ضابط الحرج) بأنّ‌ حِكمة عدم وقوع المكلّف في تَهلكة بقائه مشغولَ الذّمّة بالفوائت بعدَ الموت، اقتَضَت إيجابَ المبادرَة إليها إذ قَلَّما اتَّفق للمكلّف أن يكون عليه فوائت كثيرة لم يُبادر إليها في السّعة إلاّ و قد مات مشغولَ الذّمّة بها أو بأكثرها (و حیث إنّ قاعدة الحرج تُعدّ امتنانیّةً و رافعة للتّکلیف فبالتّالي ستَتضارَب الامتنانیّة مع اشتغال ذمّة المکلَّف).

3. و كيف كان، فهذا الدّليل -في الضّعف– كسابقه (أي الإجماع) إلاّ أنّه (الحرج) يَنفي التّرتيب (الحرجيّ) أيضاً و لو لم يَنشأ (الحرج) من المضايقة، لأنّ‌ مقتضاه وجوبُ الاشتغال بالفوائت تحصيلاً للتّرتيب بين الحاضرة و بين ما يمكن تقديمه عليها من الفوائت، بل لو لم يشتغل بها أيضاً كان في نفس تأخير الحاضرة حرج من جهة ضبط أواخر الأوقات بالسّاعات و العلامات إلاّ (فلا حرج) إذا قلنا بأنّ‌ الواجب تأخير الحاضرة عن مجموع الفوائت، لا عن كلّ‌ فائتة (واحدة) حتّى يجب الاشتغال بها مهما أمكَن، فافهم.»

4. «و الحاصل: أنّ‌ لزوم العسر على من كَثُر عليه الفوائت مسلَّم (فیَندرِج ضمن امتنانیّة القاعدة) سواء قلنا بالمضايقة أم قلنا بلزوم التّرتيب من دون المضايقة، لكنّ‌ الحكم بنفيهما (المضایقة و التّرتیب) عموماً حتّى في مورد عدم الحرج (فهو) يحتاج إلى دليل آخرَ، و التّمسّك بالإجماع المركّب (بأنّ القضاء إمّا فوريّ و إما موسَّع فهذا أیضاً) في غير موضعه، لأنّ‌ الفصل (أي

التّفصیل بإحداث رأي ثالث) في الأحكام التّكليفيّة بين موارد الحرج و غيرها، لكثرة وقوعه (الحرج) في الشّريعة لا يُعلم مخالفته (التّفصیل) في هذه المسألة لقول الإمام عليه السّلام (فهنا لم نُحرِز التّخلُّف عن الإجماع المرکَّب و رأي المعصوم فأمکننا أن نَعتقِد بالتّفصیل بین النّماذج الحرجیّة و غیرها) و إن كان القطع به (إحداث رأي ثالث) في بعض الموارد ممكناً[3] إلاّ أنّ‌ غلبة الفصل بين الموردين (الحرجيّ و غیره) في المسائل (الفقهیّة) ممّا يمنع القطع غالباً (بأنّه یُضادّ مقالة المعصوم) فافهم، فإنّه نافع في كثير من الموارد (و هذه صَناعة اجتهادیّة مُستجدَّة من قِبَل الشّیخ الأعظم حیث قد استَثنَی مورداً من «عدم مخالفة الإجماع المرکَّب»).

و هذا خلاصة أدلّة القول بالمواسعة، و قد عرفت ضعف أكثرها، مع عدم الدلالة على الترتيب خصوصا فيما عدا فوائت اليوم.»[4]

و أمّا مطمَح نظرنا تجاه «قاعدة الحرج» فهو أنّا:

1. لو افتَرضنا الحرج شخصیّاً و جزئیّاً لَحقَّ استشکال الشّیخ الأعظم -علی إثبات «کلّیّة المواسعة»- فإنّه لا یُسجِّل حقانیّةَ المواسعة لکافّة العَرصات.

2. بینما قد سجَّلنا مسبقاً بأنّ الشّارع ضمن نَماذج عدیدة قد أجری «قاعدة لا حرج» علی أغلبیّة النّاس نظیر بوّابة الطّهارات و النّجاسات حیث قد لاحَظ حرجیّة جُلِّهم، و کنَموذَج آخر هي المضایقة حیث تُحرِج المکلَّفین أیضاً و تُزعِجُهم غالباً.

Ø و حیث قد اعتَبرنا الطّابَع العامّ للنّاس فوقتَئذ لا تَتفاوَت کثرةُ الفوائت و نُدرتها، إذ الشّارع قد صَبَّ الحکمَ الامتنانيّ علی منظومة المُتدیِّنین فألغَی عنهم الأعسار و المتاعِب الشّاقّة للمصالح العامّة، کما مارَس هذه العملیّة أیضاً لدی تشریع سائر الأحکام ملاحِظاً الطّابَع العامّ لدی نوعیّة الأنام.[5]

Ø بل حتّی لو تنزَّلنا و اعتقَدنا بقلّة الفوائت لدی معظَم النّاس و لکنّ أساس عنوان «الفوریّة أو المضایقة» مندمجةٌ مع العسریّة و الحرجیّة حتّی في فائتة واحدة لعامّة النّاس، فإنّهم منشغلون دوماً باحتیاجاتهم الیومیّة الضّروریّة فالفوریّة ستُضیِّق علیهم الوضعیّة نوعیّاً، و مضادّاً لمسلک التّسهیل و التّرخیص.

Ø بل و ستَتشدَّد مکانة «النّظرة النّوعیّة للشّارع» وفقاً لمسلک «الخطابات القانونیّة» حیث لا یَلحظ المولی سلوکیّاتِ المکلَّفین الجزئیّة و کیفیّة ممارستهم لمجعولات الشّریعة و مدی تحقّق ملاکاتها الشّخصیّة بل یَری رُؤیةً فوقانیّة کلّیّة لمصالح الواجبات و ملاکاتها الواسعات -کالنّهي عن الفحشاء و ازدیاد التّقوی و...- فحینئذ سیَزرعُها في نفس «الجَعل و القانون الکلّيّ» -نظیر مصلحة أنّ الطّلاق بید الرّجل و إن تَفوَّقت علیه زوجتُه خارجاً- لا في العمل المجعول.

-----------------------
[1] جواهر الکلام (ط. القدیمة)، جلد: ۱۳، صفحه: ۵۱، ، بیروت - لبنان، دار إحياء التراث العربي
[2] في «ص» و «ش» و «ع» و «ن»: و غير ذلك ممّا نحن فيه قطعا.
[3] في «د»: بدل «ممكنا» «منها».
[4] انصاری مرتضی بن محمدامین. رسائل فقهیة (انصاری) (رسالة في المواسعة و المضایقة). ص328 قم، مجمع الفکر الإسلامي.
[5] و قد أطنَب الأستاذ المبجَّل أبعاد هذا الموضوع ضمن کتابه «قاعدة المیسور» بقلم هذا التّلمیذ المقرِّر قائلاً: «فإنّ الشّارع بالتّحديد قد عَمَد عمداً إلی التّعابير الشّاسعَة كي يفهِمنا مبناه الرّئيسيَّ في أفُق «منهجَة الأحكام و طابَعِها العامّ» كاتّخاذ الميسور و التَّسلیس بين الأنام، فبالتّالی قد تَوصّلنا إلی نَمط جعله تماماً من دون أن نَستَنتِج غَرضَه و مقصده في الشّريعة کي نَتعدّی لسائر الفروعات، كلا، إذ الفقيه منذُ البداية لا يركز علی انتزاع الملاكات و أسرار الشّريعة بل أساساً إنّ مُهِمَّة الفقيه تَنحصِر بأن يحلِّل مختلفَ أبعاد النّصوص التي تُضيئ له الضَّوابطَ العامّة و طريقةَ التّقنين الشَّرعي نظير نقاشِنا الحالی حيث إنّ الشّارع لدي مسألة الدَّوران بين الميسور و المعسور قد صرَخ علناً بمنهجيته الرّاسخة ضمنَ مختلف الآيات قائلاً: «يُرِيدُ اللّٰهُ‌ بِكُمُ‌ الیسْرَ وَ لاٰ يُرِيدُ بِكُمُ‌ الْعُسْرَ». «وَ اللّٰهُ‌ يُرِيدُ أَنْ‌ يَتُوبَ‌ عَلیكُمْ‌ ... يُرِيدُ اللّٰهُ‌ أَنْ‌ يُخَفِّفَ‌ عَنْكُمْ و خُلِقَ الإنسِانُ ضَعِيفَاً‌». «مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ‌ لیجْعَلَ‌ عَلیكُمْ‌ مِنْ‌ حَرَجٍ‌ وَ لٰكِنْ‌ يُرِيدُ لیطَهِّرَكُمْ‌ وَ لیتِمَّ‌ نِعْمَتَهُ‌ عَلیكُمْ‌ لَعَلَّكُمْ‌ تَشْكُرُونَ‌. ». «مَا جَعَلَ عَلیكم فِي الدِّينِ مِن حَرَجٍ مِلَّةَ أبِيكم إِبراهِيمَ» حيث قد نُظِّم وزانُ هذه الآيات علی نَسَق موَحَّد فإنّ إطلاقها -بقرينة حذف متعلَّقات الیسر و التَّخفيف و الحرج- يعرِب للفقيه عن «هوية تَقنين الشَّارع و طريقة جعله» تجاهَ مختلف الأحكام كضابط عامٍّ ممّا يعني أنّ الشّارع المقدَّس قد استَهدَف إنشاءَ الأعمال الیسيرة و اتّخاذَ المَنهجة السّلیسة.
بل نظراً «لاتّحاد وِزان» هذه الآيات معاً، نَعتقد بأنّ تعبير القرآن «بالیسر» يعدّ عبارة أخری عن عنوان «التّخفيف» إذ روح هذه الكلمات القُدسية في مراده تعالی الجديِّ هو عنصر موحَّد غيرَ أنّ الألفاظ مُلوَّنةٌ ضمن مقام الاستعمال فأساساً لا خصوصية «للیسر» سوی أنّه يشير إلی استراتِيجِية «التّسهيل و التّيسير» والتي قد تَبنّاها الشّارع كمِحور رئيسيّ في مُنظَّمَة المجعولات الشّرعية علی الإطلاق.
فإنّا بعدَما استَسقَينا -من هذه الآية- حجيةَ «قاعدة الميسور» المُخفِّفة للعباد أيضاً، فقد ارتَقَينا و اغتَرَفنا «ديدنةَ الشّارع في تشريع نظام الأحكام» من دون أن نَستكشف أسرار الشّريعة و مقاصدَها العَريقة فنؤسِّسَ الفقهَ علی أساسها، كلا.»


الملصقات :


نظری ثبت نشده است .